بقلم السامي الاحترام فؤاد فضول

ما من شك في ان فنّ البناء هو أول فنّ أدركه الإنسان و تعلمه و طوّره، وذلك منذ كان الانسان و قبل أن يعي أو يعرف أي فنّ آخر تعلّمه لأن طبيعة الحياة تطلبته.

عوامل الطبيعة العاتية، الحيوانات الكاسرة، و كل ما كان يحيط بالإنسان و يخيفه دفعه الى ابتكار طريقة يقي نفسه بها من الهلاك.

فنّ، لأنه حتى بناء الأكواخ، كان بحدّ ذاته فناً.

لم يكن من السهل على الإنسان، تركيز الكوخ ليظلّ قائماً ضدّ العواصف و الأعاصير و العوامل الطبيعية المدمّرة.

و هو حضارة، لأن فن بناء الأكواخ تطور الى فنّ بناء الكاتدرائيات و القلاع و القصور و الاهرام و الابراج، وظل يتطور مع الزمن حتى يومنا هذا، فكان المهندس و كان البنّاء و كان العامل، الى أن أصبحت البنائية – فئة – لإصبحت هذه التسميات تشكل الدرجات الثلاث الأول للبنائية الأولى، الا وهي المبتديء والشغّال والأستاذ، و تطورت مع الوقت فأصبحت أسراراً وعلماً وفناً ومعرفة تتوارثها الأحفاد عن الأجداد وتتناقلها الأجيال حتى انتقال البنائية من طورها الأول العملي حيث عرفت بجمعية البنائين، الى طورها النظري بحيث زيدت عليها درجات وطقوساً ورموزاً شملت كافة الفنون والعلوم والمعارف المادية والروحية.

فكيف تكون البنائية جمعية صهيونية، وكيف يُرجعها البعض الى جذور توراتية ويهودية وسليمانية وهيكلية، هذا ما ركّزت عليه الصهيونية العالمية وتمكنت مع الاسف بإضفاء هذا الطابع على البنائية، فهدّدتها كما هدّدت المسيحية من قبل وكما قضت على معظم التراث الكنعاني القديم.

ففي سنة ١٧٢١ دخل أول يهودي محفل Antiquity N02  و في سنة ١٧٠٣ تفيد المعلومات عن دخول يهودي آخريدعى Delvaille، و يقال بأن عدم وجود اليهود في المحافل الماسونية عائد ليس الى وجود ما يحرّم دخولهم، لعدم رغبة اليهود أنفسهم في اعتناق مذهبين قيل إنهما روحانيان.

وجاء في إحدى مخطوطات La Rose-Croix ان إقصاء اليهود عن المحافل الماسونية يعود الى ان بعض الدرجات العليا في الماسونية هي درجات مسيحية، كالدرجة ١٨ وسواها. و حتى في أيامنا هذه، فالماسون يقسمون قسماً مسيحياً في بعض المحافل الانكليزية والسكندينافية.

وإذا ما تعمقنا قليلاً في الدرجات العليا، قد ينتهي بنا المطاف في الدرجة ۳۰ وحسب، لأن زيادة الدرجات الثلاث بعد الثلاثين ورموزها والقصد منها قد نأتي على ذكره في مقال خاص، اذا ما اضطررنا لذلك.

وفي سنة ١٩٠٩ كتب Charles Bernardin ما يلي: بنتيجة مراجعاتي ٢٠٦ مؤلفات عالجت موضوع الماسونية من حيث التاريخ الذي نشأت فيه، توصلت الى استخلاص ۳۹ رأي مختلف، أهمها:

٢٨كاتباً أعادوا الماسونية الى العهد الغوتيكي Période Gothique.
٥ كتّاب أعادوها الى اليسوعيين.
٧ كتّاب أعادوها الى الصليب الوردي Rose Croix.
١٢كاتباً أعادوها الى الهيكليين Les Templiers.
۹ كتّاب أعادوها الى روما.
٧ كتّاب أعادوها الى أثينا.
١٨كاتباً أعادوها الى مصر
١كاتب أعادها الى الشرق بدون تحديد.
١ كاتب أعادها الى المجوس.
٦ كتّاب أعادوها الى اليهود.
١٠كتّاب أعادوها الى المسيحية أو المسيح بالذات.
۳ كتّاب أعادوها الى البنائين الذين بنوا هيكل سليمان.
۳ كتّاب الى الذين بقوا أحياء بعض الطوفان.
٢٠كاتباً تاهوا في ليالي الزمان.

يتضح مما تقدم بأن البنائية ليست صهيونية بشهادة معظم من كتب في البنائية، رغم فارق ما كتب وتناقض ما قيل، لأن الذين كتبوا عن البنائية، حاولوا عن قصد أو عن معلومات مشوهة،عدم ارجاعها الى جذورها الكنعانية الأصلية، و لم تكن وحدها التي حرّفت أصولها وشوّهت معالمها، وأصبغت بصبغة غير كنعانية.

ونلاحظ إثبات بعض ما ورد في كتابنا ( الماسونية خلاصة الحضارة الكنعانية ) عن المجوس و المسيح وسواهما دون معرفتنا تماماً بما كتب حول هذا الموضوع، إنما الذي كتبناه، فهو من روح التاريخ رغم كوننا لم نحاول الغوص إلى الأعماق و رغم الاقتضاب الذي أوردنا به هذين الفصلين.

والعدد الكبير من الكتاب، أكد نظريتنا بأن البنائية قديمة قدم الانسان. وبما ان الانسان الأول المتحضر هو كنعان بالذات، فالبنائية كنعانية حوت حضارة كنعان و أعطت العالم النور الذي انبثق من كنعان والخير والجمال اللذين تحلّى بهما، والحق الذي دان به، والمعرفة التي أوصلته الى مشارف العقل، الى الله الواحد الأحد، مهندس الكون الأعظم.

Spread the love